قصة هذا اليوم
يروى أنه كان هناك شاب ثري جدا، وكان والده يعمل بتجارة الجواهر والياقوت وشبهها، وكان الشاب يغدق على اصدقائه العطاء ويكرمهم، وهم بدورهم يجلونه ويحترمونه بشكل لا مثيل له....
ودارت الايام دورتها ومات والده، وتبدد ماله، وافتقرت اسرته، فقام الشاب ليبحث عن اصدقائه ايام الرخاء، فعلم ان اعز صديق كان يكرمه ويغدق عليه واكثرهم مودة وقربا منه قد اثرى ثراء عظيما، واصبح من اصحاب القصور والضياع والاموال، فتوجه اليه عسى ان يجد عنده عملا او سبيلا لاصلاح حاله، فلما وصل باب القصر استقبله الخدم، فذكر لهم صلته بصاحب القصر، وماكان بينهما من مودة قديمة، فذهب احد الخدم وأخبر صديقه بذلك، فنظر من خلف الستار، فرأى صديقه وهو رث الثياب وتبدو عليه آثار الفقر، فاخبر الخدم بان يخبروا الشاب ان صاحب الدار لا يمكنه استقبال احد.....
فخرج الشاب والدهشة تأخذ منه مأخذها، وهو يتألم على الصداقة كيف ماتت، وعلى القيم كيف تذهب بصاحبها بعيدا عن الوفاء، وتساءل عن الضمير كيف يمكن أن يموت، وكيف للمروءة ان لا تجد سبيلها في نفوس البعض....
ومهما يكن من أمر فقد ذهب بعيدا ..... ثم صادف قرب دياره ثلاثة من الرجال عليهم أثر الحيرة، وكأنهم يبحثون عن شيء،
فقال لهم: ما أمر القوم؟
قالوا له: نبحث عن رجل يدعى فلان ابن فلان. وذكروا اسم والده.
فقال لهم: انه ابي، وقد مات منذ زمن، فحوقل الرجال، وتأسفوا وذكروا أباه بكل خير، وقالوا له: ان اباك كان يتاجر بالجواهر، وله عندنا قطع نفيسة من المرجان، كان قد تركها عندنا امانة، فاخرجوا كيسا كبيرا قد ملئ مرجانا، فدفعوه اليه، ورحلوا والدهشة تعلوه وهو لا يصدق ما يرى ويسمع .....
ولكن تساءل: .اين من يشتري المرجان في هذه الأيام؟ فان عملية بيعه تحتاج الى اثرياء، والناس في بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة.....
مضى في طريقه وبعد برهة من الوقت، صادف امرأة كبيرة في السن عليها آثار النعمة والخير،
فقالت له: يا بني اين اجد مجوهرات للبيع في بلدتكم؟
فتسمر الرجل في مكانه ليسألها عن اي نوع من المجوهرات تبحث.
فقالت: اي احجار كريمة رائعة الشكل ومهما كان ثمنها ...
فسألها: ان كان يعجبها المرجان.
فقالت له: نعم المطلب.
فأخرج بضع قطع من الكيس، فاندهشت المرأة لما رأت فابتاعت منه قطعا، ووعدته بأن تعود لتشتري منه المزيد، وهكذا عادت الحال الى يسر بعد عسر، وعادت تجارته تنشط بشكل كبير، فتذكر بعد حين من الزمن ذلك الصديق الذي ما ادى حق الصداقة، فبعث له ببيتين من الشعر بيد صديق جاء فيهما:
صحبت قوما لآما لا وفاء لهم............يدعون بين الورى بالمكر والحيل
كانوا يجلونني مذ كنت رب غنى..... وحين افلست عدوني من الجهل
فلما قرأ ذلك الصديق هذه الابيات كتب على ورقة ثلاثة ابيات وبعث بها اليه جاء فيها:
اما الثلاثة قد وافوك من قبلي........... ولم تكن سببا الا من الحيل
اما من ابتاعت المرجان والدتي.... وانت أنت أخي بل منتهى املي
وما طردناك من بخل ومن قلل...... لكن عليك خشينا وقفة الخجل