قدمت المرأة العقيم قضيتها وطرحتها تشكو تظلّمًا واضحًا بينما دموعها متساقطة حين تحدثت عن رؤية المجتمع من حولها لها، إذ تتعرض للتجريح من خلال الكلمات المتساقطة من أطراف الألسن، فما نجت حتى من نظرات العطف التي تشعرها بالتجريح وكأنها تعاني من وباء اسمه عدم الإنجاب!
ما جعلها تشعر بالذنب الذي لا يد لها فيه، وتشعر بالدونية ممن حولها، وأول ما بدأت تحدثت عن المجتمع الذي يعاقب المرأة العقيم على أنها أرضًا جدباء ليس لها دور، وكأن دورها الأساسي كان هو الزواج والإنجاب، ونسي أن الكثيرات منهن نجحوا في تعويض فقدهم للأمومة بالعمل كثير من المجالات المختلفة فضلًا عن دورها المجتمعي الآخر.
والنظرة الأخرى نظرة من معها بالبيت، فهي في كثير من الأحيان تعاني كل المعاناة من أقرب الأقربين، كمعاناتها مثلا من أهل الزوج وخاصة والدته التي تلاذعها بالكلمات من وقت لآخر مما يكثر من أزماتها النفسية ويزيد من بغضها للبيت الذي تعيش فيه. غير ذلك أن هناك من الأزواج من يتقبل أمره ويفوض أمره لله تعالى، ومنهم من يلاطم زوجته بالأنواع المختلفة من الإساءات، إما بإساءة معاملته لها أو بالتجريح ببعض الكلمات، أو بالحديث المستمر أمامها بالزواج من امرأة ثانية.
على الجانب الآخر عندما يكون العقم بسبب الزوج لا الزوجة، تختلف الموازين تمامًا، فلابد للزوجة عندئذ أمام المجتمع أن تصبر عليه ويكثر من معاملتها الحسنة وتدليلها رغم أن القضية واحدة وهي حرمان الولد!
فهذه طبيعة النفس البشرية التي تنظر وتعاقب من حولها وتنظر لعيوبه دون النظر لعيوب نفسها، وقد يقع بعض الأزواج في أمر أصعب من ذلك فقد يخفي الزوج هذه المشكلة عنده عندما يكون هو السبب فيها ويظن المجتمع أن الزوجة هي غير القادرة على الإنجاب، وقد تتحمل الزوجة نظرات الآخرين مقابل المحافظة على صورة زوجها أمام من حوله، وقد تظهر هذه الصورة خاصة في المجتمع الريفي فيخفي الزوج ذلك ظنًا من أن ذلك يخدش قوامته.
لاشك أن حرمان الأبناء نوع من أنواع الابتلاء، لكن على الزوجين الأخذ بكل الأسباب، منها اللجوء إلى الله تعالى والعودة إليه سبحانه وكثرة الاستغفار له تعالى لقوله في كتابه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، فبالاستغفار الكثير علاج للعقم وأيضا زيادة للرزق.
واللجوء للرعاية الطبية، فما خلق الله من داء إلا وجعل له من دواء، مع الإلحاح المستمر في الدعاء له سبحانه وحسن الظن به وعدم اليأس والتحلي بالصبر. فإذا فشل الزوجان فقد أعطى الشرع للزوج القادر على الإنجاب حقًا بالزواج من أخرى مع مراعاة العدل بين الزوجتين.
أما الزوجة غير القادرة على الإنجاب فلابد لها أن تستسلم لأمر الله تعالى وتفوض أمرها له سبحانه، وتعلم أن الله تعالى قد خصها بحبه حينما ابتلاها لأن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه. كما علينا النصح لها بألا تترك بيتها وزوجها، بل تبقى تعيش في كنف زوجها فلا تحكم على نفسها بأن تعيش وحدها، ولابد أن تعلم إنها عندما تفكر في الخلاص من هذا الزوج فربما تجد من الآخر حياة أصعب وأشد ألما مما كانت تعانيه مع زوجها الأول.
وعليها أن تملأ فراغها بالأمور المفيدة بما يفيد من حولها أو بالذهاب لتعلم العلم أو مساعدة المحتاجين من خبرتها، أو تستفيد في هذه الأوقات بإتمام حفظ كتاب الله فبحفظ كتاب الله تكون قد اغتنمت أحسن غنائم الدنيا والآخرة، والبيت الخالي من الأبناء يحوطه السكون، فيدعو الزوجة للبحث عن أفكار تجديدية في الحياة الزوجية بمصاحبة الزوج أو الخروج معه للتنزه أو زيارة الأصحاب والأقارب، أو مشاركته في بعض الهوايات كالقراءة أو الاشتراك في عمل وجبات بالمطبخ معًا فهذه الأشياء تضفي روح المرح بينهما، وغير ذلك من الأشياء المفيدة.
إن الأطفال عطية من الله تعالى، لكننا نقدم النصح للزوج الصابر والزوجة الصابرة على هذا الابتلاء، فعليهما أن يعلما أن كثيرًا من الأبناء قد يكونون نوعًا من أنواع البلاء على أبويهم، فمن الأبناء من هو عاق بكل أنواع العقوق. ومن الأبناء من هو مريض بأمراض يصعب علاجها، ومن الأبناء الذين يولدون مصابين بالإعاقة الخلقية سواء إعاقة بالعقل أو تشوه بالجسد فكل هذه الابتلاءات واردة.
فلئن كان فاقد الأبناء حزين متألم، فكثير ممن يرزقون الأبناء هم أيضا متألمون مهمومون مكبلون بالغم والأحزان. ولا يخرجنا من هذه الأحزان كلها إلا الرضا بما قدر لنا من الإله سبحانه والحمد على كل بلاء، والصبر وحسن الظن، والدعاء المتواصل لله تعالى، فمنه الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فلماذا بعد كل ذلك نعاقب المرأة العقيم؟!
أميمية الجابر