السؤال:
هل يَجوز لِلفتاة كشْفُ شَعْرِها أمام مَن يتقدَّم لِخِطْبتِها بناءً على طلَبٍ من العَريس، وهو أوَّل مرَّة يراها، وبناءً على ذلك يحدِّد العريس أنَّه موافق على أن يتزوَّجها أم لا يتزوَّجها، ويقيم جَمال الفتاة دون أن يوجد عَقْد زواج بيْنهما؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اختلفَ الفُقهاء في المواضِعِ الَّتي يَجوز أن يَراها الخاطِب من المرْأة، فذهب الجُمْهور من الحنفيَّة والشافعيَّة والمالكيَّة، ورواية عن أحمد: أنَّه يَجوز للخاطِبِ النَّظرُ إلى الوجْه والكفَّين، وأجاز الحنفيَّة النَّظر للقدَمَين.
وذهب الحنابِلة إلى جواز نظَر الخاطِب إلى ما يدْعوه إلى نِكاحِها، من يدٍ أو جِسمٍ، ونَحو ذلك، قال أبو بكر: لا بأس أن ينظُرَ إليْها حاسرةً.
واحتجُّوا بِحديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إذا خطب أحدُكُم المرأة، فإنِ استطاع أن ينظُر إلى ما يدعوه إلى نِكاحِها، فلْيفْعل"، قال: فخطبتُ جاريةً، فكنتُ أتخبَّأُ لَها حتَّى رأيتُ منها ما دعاني إلى نِكاحِها وتزوُّجها، فتزوجتُها"؛ رواه أحمد، وأبو داود، وحسَّنه الألباني.
وهو ظاهرُ الدَّلالة على جواز النظر لما زاد على الوجْه والكفَّين، ويؤيِّدُه عملُ مَن رواه، فدلَّ على أنَّه فهِمَه على إطْلاقه، وقد ورد مِثْلُه عن محمَّد بن مسلمة، وأُجيب عن قوْل الجُمهور بأنَّه تقْيِيد للحديث بدون نصٍّ مقيِّد، وهو تحكُّم وتعْطيل لفهْم الصَّحابة بدونِ ما يدْعو لذلك، لاسيَّما وقد تأيَّد بفِعْل الخليفة الرَّاشد عُمر بن الخطَّاب رضِي الله عنْه فقد روى عبدالرزَّاق، وسعيد بن منصور في "سننه": أنَّ عُمَر خطَب إلى عليٍّ ابنتَه أمَّ كلثوم، فذكر له صِغَرها، فقيل له: إن ردَّك فعاوده، فقال له علي: "أبْعث بها إليك، فإن رضِيتَ، فهي امرأتُك"، فأرْسل بها إليْه، فكشف عن ساقيْها، فقالت: "لوْلا أنَّك أميرُ المؤمنين، لصككْتُ عينَك".
قال ابن القيِّم في "تهذيب السنن" (3/ 25 - 26): "وقال داود: يَنْظُر إلى سائر جسدِها، وعن أحمد ثلاث روايات:
إحداهنَّ: ينظُر إلى وجْهِها ويديْها.
والثَّانية: ينظُر ما يظهر غالبًا؛ كالرَّقبة والسَّاقين ونَحوِهِما.
والثَّالثة: ينظُر إليْها كلِّها، عوْرة وغيرها؛ فإنَّه نصَّ على أنَّه يجوز أن ينظُر إليْها متجرِّدة.
قلت: والرِّواية الثَّانية هي الأقْرب إلى ظاهر الحديث، وتَطبيق الصَّحابة له".
وقال أبو محمَّد بن حزم في "المحلى": "ومَن أراد أن يتزوَّج امرأة حرَّة أو أمةً، فله أن ينظُر منْها - متغفِّلاً لها وغير متغفِّل - إلى ما بطَن منها وظهر؛ برهان ذلك: قولُ الله عزَّ وجلَّ: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، فافْترض الله عزَّ وجلَّ غضَّ البصر جُملة، كما افْترض حِفْظ الفرْج، فهو عمومٌ لا يَجوز أن يخصَّ منْه إلاَّ ما خصَّه نصٌّ صحيح، وقد خصَّ النّصُّ نَظَر مَن أراد الزَّواج فقط؛ ثم ذكر حديث جابر بن عبدالله السابق. اهـ، مختصرًا.
والَّذي يظْهَرُ أنَّ قول الجُمهورِ - وهو أنَّ الخاطِبَ لا يرى سوى الوجْهِ والكفَّين - هو الأحْوط، ويُمْكِن للخاطب توكيلُ مَن يَثِقُ بِهنَّ منَ النِّساء لرؤْيَة الشَّعر وغيرِه ممَّا بطن؛ قال في "مغْني المحتاج": "ويؤخذ من الخبر أنَّ لِلمبعوث أن يصِف للباعث زائدًا على ما ينظره، فيستفيد من البعْث ما لا يستفيد بنظره". اهـ.
وإن كان الأقوى من جهة الدلالة مذهب أحمد أن للخاطب النظر إليْها حاسرةً من يدٍ أو جِسمٍ ولكن إن تعسَّر ذلك، فلا بأْسَ أن ينظُر الخاطبُ بِنَفْسه لشَعْرِ مخطوبته،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي