أراد حاتم الأصم العالم الزاهد - وهو أبو عبدالرحمن حاتم بن عنوان المشهور بحاتم الأصم – أراد ان يحج الى بيت الله الحرام وكان فقيرا، فجمع أولاده وقال لهم: أريد الحج، وان لي من الأموال ما تكفي للذهاب والاياب، ويبقى لكم القليل.فقال أولاده: يا أبانا..اذا نفد ما عندنا..ماذا نفعل؟!
فقالت ابنته الصغيرة: يا أبت اذهب، ما علمناك الا أكالاً لا رزاقا، فاذا ذهب الأكال، بقي الرزاق.ففرح فرحاً شديداً واستبشر خيرا، وتركهم ورحل.
وبعد أيام نفد طعامهم، وبدأ الأولاد يلومون أختهم الصغيرة ويقولون لها: أنتِ السبب لما عليه نحن الآن.فبكت ودخلت تصلي ، وتدعو الله عز وجل الغوث.
ومر يومان وهم على هذه الحالة، وهم يزدادون جوعاً، وبنفس الوقت يزدادون توبيخاً لهذه البنت المؤمنة الواثقة بربها.
وحين ذاك مر الخليفة الذي كان خارجاً في رحلة للقنص على القرية، حيث نقص عليهم الماء لدرجة العطش الشديد، ومروا على بيت متواضع، فأمر الخليفة أحد جنوده ان يذهب الى هذا البيت ويطلب منهم الماء، فقدموا لهم الماء بوفرة، وقدموه للخليفة وشربه فاستطعمه وكأنه يشرب الماء لأول مرة من شدة العطش....
فأراد الخليفة ان يكافئ أهل الدار الذين سقوه الماء فسأل: بيت من هذا؟ فقالوا: انه بيت حاتم الأصم - وكان حاتم معروفاً بالصلاح عند أهل البلدة - وأخبروه انه ذهب للحج.
فما ان سمع الأمير بهذا الخبر، حتى رمى المنطقة التي كان يلبسها - الحزام الذي يلبسه - وكان مرصعا بالأحجار الكريمة، وقال لأصحابه من الوجهاء والتجار: من أحبني فليفعل مثل فعلي.فرمى كلهم مناطقهم الغالية، ثم جاء أحد التجار واشتراها كلها بمال جزيل، فاستغنى أهل حاتم الأصم.
ففرح الأولاد بالمال الكثير، وبكت البنت الصغيرة وهي تحمد الله وقالت: هذه نظرة من عين مخلوق أغنتنا، فكيف بنظرة من عين الخالق سبحانه.
فهل نفكر جميعا بمثل تفكير هذه البنت الفطري؟!